top of page

هل النرجسي يحب؟

د. فاطمة الظبيري



الحب نعرفه جيدا في أنفسنا، إلا أنه من الأمور التي يصعب تعريفها في كلمة أو مجموعة كلمات، فالحب حالة عاطفية تحتوي على مشاعر المودة والبهجة لوجود المحبوب والشعور بالترابط والرغبة بالعطاء من أجل من نحب والحنين لهم إن غابوا. ويندرج تحت الحب مسميات ومشاعر كالشغف والعشق والغرام والود وغيرها، والتي تميز الحب العاطفي أو الرومانسي عن حب الأسرة، حب الصداقات، وحب البشر باعتبارهم أشقاء بالإنسانية.

المصاب باضطراب الشخصية النرجسية يتميز بمجموعة من السمات تجعله أقل قابلية لفهم الجانب الإنساني النبيل من الحب. من سمات النرجسي بأنه يفتقر للتعاطف، أناني، علاقاته قائمة على المصلحة، علاقاته مضطربة مع محيطه المقرب، وهذه السمات تحدد مفهومه للحب باعتباره قائم على الأنانية، حب الذات، المصلحة، الحاجة المفرطة للمديح، والحاجة للتجديد والمغامرة. بمعنى، النرجسي حينما يحب، فهو مدفوع بحب ذاته ولتحقيق احتياجاته المصلحية البحتة بما فيها تلميع صورته أمام المجتمع. النرجسي لا يحترم حدود اللآخرين ولا كيانهم، بل يسعى لاستغلالهم ويعتبرهم موجودين لخدمته. هو ينظر لمحيطه المقرب كالأبناء، الزوج أو الزوجة، المحبوب أو العشيقة، باعتبارهم امتداد له، فهو يرى بأن له حق التحكم بهم عن طريق طمس هويتهم وتهميش رغباتهم. حينما يدخلون حياته، فبنظره هم أشبه بقطع غيار، ينتقي المناسب منها لحاجته، ويحبها حب أناني استغلالي—وفي العلاقات العاطفية نضيف حب المغامرة. قطع الغيار هذه وجودها لزيادة قدرته وتلميع صورته أمام المجتمع، ولذا حينما يرى بأن قطعة الغيار عتقت ولم تعد تلبي حاجاته، فهو لن يتردد بتبديلها بقطع غيار جديدة. هذا لا يعني أنه دائما يتخلص من القديم، وإنما يقوم بركنه لوقت الحاجة.

إذا كان النرجسي أحد الوالدين، فسينظر لأبناءه باعتبارهم امتداد له، فالأم النرجسية ترى بأنها هي من وهبت الأبناء الحياة، وأنها بذلك أقرب ما يكون لفرعون "أنا ربكم الأعلى". في مثل هذه العلاقة غير المتكافئة، الأم النرجسية ترى بأن وجودها واحتياجاتها أهم من وجود واحتياجات الأبناء، لذا عليهم خدمتها والسعي لإرضائها والامتنان لها في كل الأحوال سواء رضت عنهم أم لم ترضى.

في العلاقات العاطفية مع النرجسي، كما في حالة الزوج أو الزوجة النرجسية، فإن الطرف النرجسي يستحوذ على شخصية وكيان الطرف الآخر، يسعى لعزله عن العالم الخارجي ليتمكن من السيطرة عليه أكثر. وكما هو الحال في مثال قطع الغيار، مجازا نستطيع تشبيه الزوج بالسيارة والزوجة بقطعة الغيار التي تضفي المزيد من القوة أو السرعة للسيارة، وأنه متى ما ظهرت قطع غيار أفضل في السوق، فالنرجسي سيبدل قطع الغيار ويغرم بالقطعة الجديدة باعتبارها امتدادا لسيارته، فحبه لقطعة الغيار هو امتداد لحبه الأناني لنفسه.

الخلاصة أن الحب القائم على الأنانية والمصلحة لا يمكن اعتباره حب إنساني فطري.



Bình luận


bottom of page